إن الكثيرين يظنون أن الطفل طالما لا يتكلم فهو لا يفهم ما نقول وهذا خطأ كبير يقع فيه البالغون للأسف الشديد .. ولأقرب هذا الأمر لأذهان وتصوّر الكبار ينبغي عليهم أن يفترضوا أن طفلهم هو شخص بالغ لكنه يفتقد القدرة على النطق .. فكيف يستطيعون التواصل معه ؟ إنهم يستطيعون ذلك باستخدام لغة الإشارة .
أثبتت أبحاث السنوات العشرة الماضية في مجال التواصل البشري مع الأطفال .. أن البالغين يستطيعون التواصل والتحدّث مع الطفل منذ شهوره الأولى وقبل أن يستطيع لسانه نطق أول كلمة له .. وقد لاحظوا أن الطفل يمتلك القدرة على التعبير عن نفسه بسهولة عبر هز رأسه يمنة ويسرة معلناً عن الرفض والإمتناع .. أو أنه يومئ برأسه موافقًا .. ويتعلم بسهولة أن تحريك اليد عن الإنصراف تعني مع السلامة .. إن أسلوب التواصل الذي تثبته هذه الأبحاث هو لغة التواصل عبر الإشارة باليدين .. وقد وجدوا أن تكرار اللفظ مع استخدام إشارة الأصابع واليد عند التواصل مع الطفل في هذه المرحلة تعطيه التدريب الحقيقي ليوصل لنا ما يريده منا .. بل يساعده في إسراع عملية النطق والكلام بلسانه و يجعله يمتلك سهولة التعبير عن نفسه ، فيحقق بذلك أفضل سبل التواصل مع الآخرين مستقبلاً ..
كيف تتكلم مع طفلك .. قبل أن يستطيع طفلك الكلام ..
وقد نشر في عام 1996 م هذا الكتاب الرائع في هذا المجال ، يتيح لكل مهتم و مربيّ في شئون الأطفال وبالأخص الوالدين فهم كيفية هذا التواصل وأساليب تطبيقه عمليًا . وقد تجاوز عدد نسخه النصف مليون نسخة في الولايات المتحدة ، و وزع في بقية دول العالم بعد ترجمته إلى 14 لغة عالمية . حاز هذا الكتاب على القبول والإهتمام البالغين من الكثيرين ، حتى أن البرامج التلفازية المتخصصة في مجال الأسرة أولته اهتمامًا كبيرًا ، مثل أوبرا وينفري في برنامجها المشهور ، وبقية محطات التلفزة هناك .. وتناولته الصحف اليومية والمجلات المتخصصة في صدر صفحاتها لأهميته .ولتفعيل هذه الأبحاث على أرض الواقع فقد فتحت المؤسسات المعنيّة هناك صفوفًا تعليمية للأهل لتدريبهم على اكتساب مهارة التواصل مع أطفالهم في هذه السن عبر أسلوب الإشارة المقرونة باللفظ .. مثال عملي : أنا جائع
عندما يبكي طفلك .. فقد يكون في حالة جوع والحاجة للطعام .. أو يشعر بالألم والوجع في بطنه .. لكنه عاجز عن إخبارك بالكلام ..فيستمر بالبكاء مما يسبب الإزعاج لك .. هنا يمكن للأم كل يوم عند حلول وقت إطعام طفلها أن تسأله بوضوح وهي تشير بيدها إلى فمها : هل أنت جائع ؟ تريد تأكل ؟ وتكرر هذه الإشارة مع تكرار اللفظ .. ثم تعطيه زجاجة الرضاعة أو تضع صحن الطعام أمامه ..
أنا انتهيت :
وعندما تلاحظ أنه امتنع عن تناول بقية الطعام تعود وتسأله وهي تشير بكلتا يديها : هل شبعت ؟ إذا سكت .. تسأله ثانية وهي تشير بيدها إلى فمها : هل تريد تأكل ؟
ستلاحظ الأم بعد مرور فترة .. أن طفلها عندما يشعر بالجوع أو يرى الطعام فإنه سوف يشير بيده إلى فمه مقلداً حركتها السابقة .. وعندما يشبع فإنه سيستخدم إشارة الإنتهاء . مثال آخر : يريد أن يخبرك عن قطة أمامه :
إذا رأت الأم قطة .. فإنها تشير بأصبعيها وهي تقول : قطة ( قطوة – بسة .. حسب اللهجة المحكاة ) .. مرة تلو أخرى ستجد أن طفلها كلما رأى صورة القطة سيقلد حركة أصبعيها .. ويحاول التلفظ بلسانه بالصوت مثلها ..
بل وبإمكان الطفل أن يخبر أمه أن ثمة ألم في أذنه .. وذلك عندما تعوّده أمه على وضع أصبعيها السبابتين متقابلين وهي تقول : ألم .. وهي تشير إلى بطنها مثلاً .. أو عندما تجرح نفسها .. فتظهر التألم وهي تكرر كلمة ( ألم - وجع ) .. عدة مرات سوف يفهم الطفل أن هذه الإشارة تعني ( ألم ) وستجده فيما بعد يشير بأصبعيه ثم يرفعهما ناحية أذنه عندما تؤلمه ..
إن هذا الأسلوب يخفف من معاناة الأم إلى حد كبير مع بكاء طفلها ، لأنه قد وجد الطريقة التي يستطيع أن يعبر بها عن نفسه دون الحاجة للتعبير بالبكاء والصراخ .. والمفيد كذلك أن تعلم هذه اللغة تساعد الطفل على التواصل مع الأطفال الآخرين حتى ولو كانوا من المتحدثين من اللغات الأخرى أو من الأطفال الصم والبكم .. لأنها لغة عالمية عرفها جميع الأطفال .. بالضبط مثل البكم عندما يتواصلون عبر الإشارة دون النطق .. وإجادته لهذه اللغة يزيد من وسائل تواصله البشري مع الآخرين إلى جانب التواصل اللفظي وحركة العين وتعبيرات الوجه ونحو ذلك ..
الطريف أن أحد الآباء اليابانيين قد اكتشف أن طفله وهو في سن العاشرة من عمره قد عقد صداقة متينة مع طفل آخر في بلد آخر عبر الإنترنت ( الكاميرا )، والغريب أن كل منهما لا يعرف لغة الآخر ، وإنما كانا يتواصلان عبر استخدام لغة الإشارة التي سبق لهما تعلمها .. فهل ستكون لغة الإشارة هي اللغة العالمية مستقبلاً بدلاً من الإنجليزية ؟