حب طفلك لمدرسته يوثق علاقته بالتحصيل والطالب الراسب يحتاج إلى معاملة خاصة
انتهت الإجازة الصيفية، بعد قرابة ثلاثة أشهر أمضاها ابناؤنا مابين الكسل واللعب والسفر والخروج وفعل ما يحلو لهم بعيدا عن قيود الدراسة، والصحو المبكر والالتزام بجداول المدرسة والامتحانات، وأوامر الأسرة المستمرة بالمذاكرة والواجبات المدرسية وغيرها. وبدأ العام الدراسي الجديد والاستعدادات له، بدءا من شراء احتياجات المدرسة من ملبس وأدوات مدرسية، انتهاء بقيام بعض الآباء والأمهات بمراجعة دروس العام الماضي مع أبنائهم حتى يبدأوا عامهم الدراسي الجديد، وهم في قمة التألق الفكري. ولكن هناك حقيقة مهمة تغفلها بعض الأسر وهي كيفية اعداد ابنائها نفسيا للعودة للدراسة آخذين بعين الاعتبار إن كانت هذه هي المرة الأولى التي يذهب فيها الطفل الى المدرسة، أو أنه سينتقل الى صف دراسي أو مرحلة دراسية جديدة. خطوات الطفل الأولى في عالم المدرسة تحدد بشكل كبير علاقته بالدراسة والمدرسة، ولهذا يقع على عاتق الأم عبء تحضير طفلها لهذا العام، وتعريفه بعدد الساعات التي سيمكثها في المدرسة بعيدا عنها. تقول دكتورة منال عمر، استشارية طب الأطفال «كلما أحب الطفل مدرسته وأحب ما يحيط بعالم الدراسة من أمور توثقت خطواته الدراسية، وقد يكون من المستحب أن تصحب الأم ابنها أو ابنتها في أكثر من زيارة للتعرف على المدرسة والمدرسين قبل بدء الدراسة بعدة أسابيع، فهذا يعطي الانطباع بأن هذا العالم ليس بغريب عنه عندما يبدأ الدراسة». وتحذر الدكتورة منال من سلوك بعض الآباء والأمهات الذي يجعل من المدرسة وحشا مفترسا يتعارض مع ما يحبه الطفل ويميل إليه «فنحن نجد بعض الأمهات أو الآباء يربطون المدرسة بانتهاء اللعب والمرح ويرسخون هذه الفكرة في عقل الصغير حتى تتحول المدرسة بالنسبة له إلى مكان مخيف أو ممل سيكون نهاية سعادته وتكون النتيجة أمرين: إما أن يزداد عنفا تجاه قيود المدرسة، ويرفض الالتزام بها، أو أن تترسب بداخله مخاوف لا أساس لها من الصحة تزيد من انطوائه. وكلاهما نتيجة لا يتمناها أي أب أو أم». أما الأم التي لديها أبناء في مراحل تعليمية متقدمة في الابتدائي والاعدادي والثانوي فعليها الاهتمام بفكرة العودة للدراسة، لا من باب التحصيل العلمي وأهميته فقط، ولكن من ناحية أن هذه العودة تمثل خطوة جديدة في حياة ابنها أو ابنتها وفي طريق مستقبله، ولهذا يجب عليها اشراكهم في الاعداد للعودة الدراسة، كأن تخرج معهم لشراء مستلزمات الدراسة واختيار المناسب منها بشكل يجعلهم يترقبون العودة إلى المدرسة بفرح. كما عليها أن تلفت نظرهم إلى ضرورة القراءة والمراجعة من دون أي ضغط عليهم. ومما لا يختلف عليه اثنان أن العودة إلى المدرسة تكون أسوأ وقعا على الطالب الذي لم يسعفه الحظ بالنجاح، لكنه سيضطر إلى العودة إلى ذات الفصول التي كان يدرس بها العام الماضي، في حين أن زملاءه انتقلوا إلى صف دراسي أعلى. يقول دكتور هاني السبكي استشارية الطب النفسي: «يجب أن نعلم أولاً أن الطفل الذي يرسب في أي عام دراسي إما انه يعاني من ضعف التحصيل الدراسي للعلوم التي يدرسها، أو أنه طفل ذكي ولكنه أهمل في استذكار دروسه ولم يجد العناية أو المراقبة اللازمة من أسرته، وكلاهما مشكلة. فالنوع الأول يجب احتواؤه وتنظيم أوقات استذكاره، وبذل مجهود أكبر معه سواء من جانب الأهل أو المدرسة، مع ضرورة تبسيط العلوم الدراسية له حتى يستطيع فهمها، أما الطفل الثاني، فهو بحاجة إلى الحزم والمتابعة وتهيئة المناخ المناسب للدراسة منذ اليوم الأول». ويتابع دكتور هاني «الطفل الراسب يعود للدراسة وهو محمل بضغوط نفسية كبيرة، حيث يكون دائما عرضة لنقد الأهل المستمر ولومهم له بسبب ضياع سنة من عمره، إلى جانب انتقال زملائه إلى عام متقدم عليه، مما يزيد من حالة التوتر والقلق لديه، ويجعله متخوفا من الاشتراك في أي نشاط مدرسي، أو أي امتحان. وإذا لم يدرك الأهل والمعلمون في المدرسة الأبعاد النفسية للطالب، فقد يتحول قلقه وتوتره إلى نوع من السلوك العدواني تجاه الآخرين، وبالتالي يقع على عاتقهم، أي الأسرة والمدرسة، مسؤولية مساعدته على تخطي حاجز القلق والخوف بتشجيعه المستمر على المشاركة في الأنشطة الطلابية، وتكوين صداقات جديدة، ودعمه دراسياً، وتعزيز ثقته بنفسه في أي مناسبة يحقق فيها إنجازا ولو بسيطا. كما يتوجب على الأهل متابعة الواجبات المدرسية اليومية، ومواصلة الاتصال بالمدرسة لمتابعة تطوره، مع الابتعاد عن أسلوب اللوم والتذكير المستمر بفشله السابق، لأن هذا الأسلوب لن يأتي بأي نتيجة سوى تكريس مشاعر القلق والخوف وعدم الثقة بالنفس.